ما الحكمة من غسل الجنابة.... سبحان الله
ان الاغتسال بعد الجماع لا يخلو من حكمة لمن أنصف وتأمل ونظر نظرة أعمق.
ويعجبني هنا ...ما قاله الإمام ابن القيم ردًا على من عجب من التفرقة بين المني والبول فأوجب الغسل من المني دون البول قال :
" هذا من أعظم محاسن الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة، فإن المني يخرج من جميع البدن . ولهذا أسماه الله " سلالة " لأنه يسل من جميع البدن فتأثر البدن بخروجه أعظم من تأثره بخروج البول.
وأيضًا فإن الاغتسال من خروج المني من أنفع شيء للبدن والقلب والروح.
فإنها تقوى بالاغتسال، والغسل يخلف على البدن ما تحلل منه بخروج المني وهذا أمر يعرف بالحس.
وأيضًا فإن الجنابة توجب ثقلاً وكسلاً، والغسل يحدث له نشاطًا وخفة ولهذا قال أبو ذر لما اغتسل من الجنابة: كأنما ألقيت عني حملاً.
وبالجملة فهذا أمر يدركه كل ذي حس سليم، ونظرة صحيحة، ويعلم أن الاغتسال من الجنابة يجري مجرى المصالح التي تلحق بالضروريات للبدن والقلب ..
وقد صرح أفاضل الأطباء بأن الاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوته، ويخلف عليه ما تحلل منه، وأنه من أنفع شيء للبدن والروح وتركه مضر . ويكفي شهادة الفطرة والعقل بحسنه .. على أن الشارع لو شرع الاغتسال من البول لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة تمنعه حكمة الله ورحمته وإحسانه إلى خلقه " ا . ه.
أما مشقة الغسل بعد الجماع فهي محتملة، لعدم تكرر الجماع كتكرر البول، وكأن هذه المشقة الجزئية جعلت حاجزًا أو لجامًا يحول بين الإنسان وبين الاندفاع وراء الغريزة، والإسراف في الاتصال الجنسي . وضرر ذلك لا شك فيه.
ويلوح لي سر آخر: إن المؤمن لا يعيش لغريزته وشهواته فحسب، ولكنه يعيش لرسالة الله قبل أي شيء آخر، ولله تعالى عليه حق في كل عمل . وفي الجماع قد أدى حق نفسه وحق زوجه بقضاء الشهوة بقي حق الله تعالى وهو ما يؤديه بالاغتسال . على أن من حكمة الله تعالى أنه ربط نظافة الإنسان بأسباب طبيعية لا يمكنه الفرار منها - كخروج شيء من السبيلين في الوضوء، وكالجماع في الغسل - لتكون هذه الأسباب المتكررة سياطًا تسوق الإنسان وإن تراخي وتكاسل - إلى نظافة أطرافه أو نظافة جسده كله.
قال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ
لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). (المائدة: 6).
في وجوب الاغتسال من الجنابة حكم صحية رائعة : ·
تبين الدراسات الحديثة حول العلاقة الجنسية أن الجماع ، وقذف المني بأي سبب كان يؤدي إلى فتور و ارتخاء يعلل طبياً بوهن شديد في الجملة العصبية عند وصول شريكي الجماع إلى اللذة والقذف ، بحصول توسع في الأوعية الدموية المحيطة مما يؤدي بصاحبه إلى فقدان قسط كبير من نشاطه العضلي و الفكري و إن الاغتسال عندها ينبه الشبكات العصبية الحسية لتوقظ الجهاز العصبي من سباته و ليسترجع بذلك حيويته و نشاطه كما ينشط الدوران الدموي و يعيد إليه توازنه .
· يتسبب عن اللقاء الجنسي وهن نفسي ورغبة في النوم و عملية الغسل تفيد بتنشيط الجسم و الروح و يحس بالبهجة و الانشراح .
· ينقل الدكتور الراوي عن مصادر علمية حديثة أن الجلد أثناء عملية القذف يفرز من خلال مساماته عرقاً ذو تركيز عال بسمومه . و يمكن أن يعود فيمتصها و يتأذى بذلك . و الاغتسال إجراء طبي حاسم لتطهير الجلد و مساماته من هذه السموم ، وقد حث الشارع على سرعة التطهر من الحدث الأكبر .
· إن وجوب الغسل بعد الجماع يحمى من خطر الإفراط الجنسي و الذي يؤدي بصاحبه إلى الانتهاك و المرض . فإن التفكير في الغسل و الإعداد له يجبر على الإعتدال في طلب اللقاء الجنسي و يحفظ بذلك قدرته و حيويته لعمر مديد. فقد قدر ما يصرفه الإنسان من عناصر حيوية في كل لقاء جنسي بما يحتويه نصف ليتر من الدم .
· تدعو التوجيهات الصحية إلى الاغتسال عقب كل مجهود عضلي كبير و بعد التدريبات الرياضية الشاقة ، فالاغتسال يزيل آثار الجهد العضلي و يخفف متاعبه ، والجماع من هذه الناحية جهد عضلي.