المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد بعثه الله تعالي هداية ورحمة للعالمين وعلي آله وصحبه والتابعين الذين اهتدوا بهديه واستنوا بسنته إلي يوم الدين .
أما بعد ..
فلكل كتاب قصة .. وقصة هذا الكتاب بدأت بواقعة حدثت معي بدار النشر والصوتيات بالإسكندرية . حيث كنت أجلس في حجرة المكتب أتحدث مع أحد الإخوة من الشباب جاء لزيارتي ، فدخل أخ واستأذن أن يتحدث معي في موضوع خاص فاستأذنت وخرجت معه إلي حجرة أخري وطال الحديث بعض الوقت فلما عدت وجدت الأخ غاضباً لأني تأخرت عليه .
فجلست وقلت له : أتظنني أخطأت في حقك ؟
قال : نعم
قلت : دعني أوضح لك الأمر لنعرف من المخطئ في هذا الموقف .
المفروض يا أخي أن هذه الحجرة مكتبي وكل من يريد مقابلتي أقابله بها فإذا جاء أحد الإخوة وطلب مقابلتي مقابلة خاصة يكون من الواجب عليك أن تستأذن في الخروج حتى ينتهي من حديثه .
فإذا كان عدد الموجودين أكثر من واحد فعليهم أن يستأذنوا في الخروج أو أخرج أنا .
فليس من المعقول أن كل من يريد مقابلتي أقوم فأخرج معه فما قيمة المكتب إذاً !
هذا ياأخي الحبيب هو المتعارف عليه والمعقول والمقبول شكلاً وموضوعاً .
كانت هذه القصة هي التي أوحت إليَّ أن أبادر إلي كتابة ما يقع بيننا من مثل هذه المواقف التي تبدو لصاحبها لا شبهة فيها .
بينما هي تكون مجافية للذوق أو العرف .، والعرف كثيراً ما يختلف بالنسبة للزمان والمكان وأحياناً كذلك تكون بعض الكلمات في بلد مالها مدلول مضاد في بلد آخر وهذا يسبب لقائلها حرجاً شديداً .
ولما كانت مثل هذه التصرفات تتكرر بدون توجيه إلي خطئها فإنها تظل عادة عند صاحبها بل ربما تصبح لازمة يصعب تغييرها ، وبعض الإخوة يلاحظون هذه التصرفات فيسكتون عنها خجلاً ظانين أنها تصرفات عابرة ولا داعي أن يصنع منها مشكلة تعكر صفو القلوب .. بينما الواجب تربوياً أن يتدارك هذا الأمر من أقرب طريق وبأدق وأرقي ما يغرس الحب ويحافظ علي الإحساس والشعور بين الإخوة الذين أوجه لهم هذه النصائح أو التلميحات .، ليتذكرها وينتفع بها أخ في الله يدفعني حبه إلي أن أجنبه ــ ما استطعت ــ الوقوع في أي خطأ يتجافي مع الذوق السليم ولا ريب أني ــ أيضاً ــ معني بهذه التوجيهات فقد أكون أنا هذا الإنسان [ كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ] صدق رسول الله [ صلي الله عليه وسلم ] .
وقد نبهنا عليه الصلاة والسلام إلي كيفية النصيحة فلا تكون في مواجهة جارحة والرسول [ صلي الله عليه وسلم ] وأفعاله مثال للذوق الرفيع فكان لا يجابه مخطئاً وإنما يصعد فوق المنبر ويقول في مثل هذه المواقف ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) .
وفي توجيهات الإمام الشهيد حسن البنا كذلك نجده يقول : ( يا أخي لتكن نصيحتك تلميحاً لا تصريحاً وتصحيحاً لا تجريحاً ) ..
لهذا فقد استخرت الله تعالي وعزمت علي أن أسجل في هذه الرسالة نماذج واقعية من هذه الصورة التي عايشتها وسمعتها لا أقصد بها إنساناً بعينه لأنها ليست وقفاً علي أحد بذاته لكنها وقائع تتكرر في حركة الحياة .
وهذه الملاحظات أو تلك التصرفات التي تحدث منا أحياناً والتي قصدت تسجيلها لا تمس جوهر الأخلاق بل هي كالطالب الذي ينجح بدرجة ممتاز وآخر بدرجة جيد وآخر بدرجة مقبول والجميع ناجحون والحمد لله .
بيد أنهم في درجات النجاح يتفاوتون .
فكلنا نشترك في الأخلاق ونتفاوت في درجاتها والآيات والأحاديث توضح هذا حين نقرأ قول الرسول الكريم [ صلي الله عليه وسلم ] : ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وقوله : ( إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطأون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ) .
واعتقد أن الذوق هو الأخلاق حين ترتدي أجمل ثيابها وهو عطر الأخلاق ونفحاتها ..
والذوق هو قمة الأخلاق حين تتألق في إنسان وتتجلي في أحاديثه وتعاملاته التي تنطوي علي أجمل المشاعر وأنبل العواطف
فالذوق حركة من لطائف الروح وصفاء القلب ..
والذوق هو سلوك الروح المهذبة ذات الأخلاق المرضية .
وختاماً فالذوق هو الإنسان في أبهي صورة وأرقي حضارة وصدق الله الذي عظم شأن رسوله بالثناء علي أخلاقه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.